كيف تحيي الإيمان في قلبك؟ كيف تعالج ضعف الإيمان الذي هو الشاهد من الكلام وهو المقصود من هذه الكلمة؟!
أولاً يا عبد الله! اعلم أن العمر قصير، ولن يكون لك عمر آخر .
مضى الدهر والأيام والذنب حاصل وجاء رسول الموت والقلب غافل
نعيمك في الدنيا غرور وحسرة وعيشك في الدنيا محال وباطل
أبو الدرداء رضي الله عنه عند ساعة الاحتضار، أخذ يبكي وهو يحتضر ويقول
لمن حوله: [ ألا رجل يعمل لمثل مصرعي هذا؟ ألا رجل يعمل لمثل يومي هذا؟
ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه؟ ].
أبو هريرة : وأنتم تعرفون من هو أبو هريرة ؟
لسنا نحن -يا عبد الله- الذين أمضوا أيامهم ولياليهم في طاعة الله، إنه
طالب العلم، يقول قبل موته وهو يبكي عندما قيل له: ما يبكيك رحمك الله؟
قال: [ طول السفر، وقلة الزاد، وضعف اليقين، وخوف الوقوع من الصراط في النار ].
يبكي قبل الموت، ويقول هذه الكلمات، أما نحن فماذا نقول -يا عباد الله- الذي لا تمر علينا ليلة إلا وننتهك فيه الذنوب انتهاكاً .
التفكر في الموت
يا عباد الله! لو كان الواحد منا يُفكِّر في تلك اللحظة، والله لا تراه
يتجرأ على النظر إلى امرأة في جريدة، أو على فتح التلفاز إذا كان فيه
منكر، أو يذهب إلى أماكن المنكرات، فلو كان يُفكِّر حقاً في تلك اللحظة،
يقول الله -تبارك وتعالى- عنها: { كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ }
[القيامة:26]* { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } [القيامة:27].
تخيل نفسك والله عز وجل يُخبر عنك في هذه الآية على فراش الموت، ولعل
حولك: أبوك، وأمك، وأبناءك، وزوجتك، لعلهم يبكون عليك، لعل ابنك الصغير قد
احتضنك وأنت تحتضر، وهو يبكي، ويقول: أبتاه! ما لك لا تجيب؟! وأنت تنظر
إلى ساقك ما بالها تيبس؟! ما بال الساق؟ إنها تبرد: { وَالنَّازِعَاتِ
غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً } [النازعات:1-2].
بدأ ملك الموت ينتزع الروح وأنت إلى الآن لم ترجع الأمانات إلى أهلها إلى
الآن لم تتت من تلك المعاصي إلى الآن عليك حقوق للناس لم ترجعها إلى الآن
لم أتب من النوم عن صلاة الفجر إلى الآن لم أتب عن المعاصي والذنوب إلى
الآن يا رب! { رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا
تَرَكْتُ } [المؤمنون:99-100] وقال تعالى: { كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ
التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } [القيامة:26-27] ينادي الأب: من
يداوي ابني؟ وينادي الولد: من يداوي الأب؟ وتنادي الزوجة: من يداوي هذا
الزوج؟ { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ }
[القيامة:27-28] إنه يعلم ومتيقن أنه سوف يُفارق هذه الدنيا البيت إلى
الآن لم يكمل أثاثه والسيارة لم يشترها إلى الآن قد حجز التذاكر لكنه لم
يسافر إلى الآن هو في السنة الأخيرة من الدراسة ولم يأخذ الشهادة إنه
يستعد للزواج إنه ينتظر الولد إلى الآن لم يتم نعيمه في الدنيا { وَظَنَّ
أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ
يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ } [القيامة:28-30].
يقول عليه الصلاة والسلام: ( أكثروا من ذكر هادم اللذات ) أكثر -يا عبد
الله- فإن الدنيا لا تساوى شيئاً، ملايينك لم تستفد منها شيئاً، والله إن
هذه الأموال وهذه الدنيا والبنون والأهلون لن ينفعوك بشيء، فكل شيء يذهب
ويبقى العمل الصالح، فعليك أن تتفكر في هذه اللحظة وعندها والله لا تتجرأ
على الذنوب.
التفكر في وقوفك بين يدي الله
أيضاً -يا عبد الله- تفكر في موقفك بين يدي الله عز وجل، إذا جئت أمام الله:
مثل وقوفك يوم الحشر عريانا مستعطفاً قلق الأحشاء حيرانا
النار تزفر من غيض ومن حنق على العصاة وتلق الرب غضبانا
اقرأ كتابك يا عبدي على مهل انظر إليه ترى هل كان ما كانا
لما قرأت كتاباً لا يغادر لي حرفاً وما كان في سر وإعلانا
نادى الجليل! خذوه يا ملائكتي مروا بعبدي على النيران عطشانا
هل تفكرت في تلك اللحظة؟!
قال الله تعالى: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ
مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ } [آل عمران:30] في تلك الليلة التي
أغلقت فيها على نفسك الباب، وأطفأت الأضواء، وفعلت فعلتك التي فعلت، {
وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ
أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَه } [آل عمران:30] تلك
اللحظة التي قالت لك أمك: يا بني! فقلت لها: لا.
ذلك الموقف الذي أمرك فيه أبوك فقلت له: لا.
تتذكره يوم القيامة { تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً
بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ } [آل عمران:30] هل تفكرت في
هذا الموقف؟!